3
يونيو
2025
|
تجربة استخباراتية رائدة اشاعت الامن وحققت استقرارا امنيا....
نشر منذ 1 اسابيع - عدد المشاهدات : 111
|
بقلم احمد اسامة كلية القانون / جامعة العين
———
يُعد العمل الاستخباراتي الدعامة الأولى في حماية المجتمعات من التهديدات المعاصرة التي تتجاوز الأطر الأمنية التقليدية، وتتشابك مع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والفكرية. وفي هذا السياق برزت تجربة مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في محافظة ذي قار كنموذج رائد لإعادة تعريف وظيفة الجهاز الاستخباري، من خلال استراتيجية متقدمة قادها العميد عبد الرحمن الجابري، والتي تمثلت في إعادة هندسة المجتمع الاستخباري في المحافظة وتحويل المديرية إلى ظهير استخباري راسخ للاستقرار المجتمعي، لاسيما في مواجهة ظاهرتي الحركات المنحرفة والمخدرات، وهما من أخطر التهديدات التي تستهدف نسيج المجتمع وطاقاته الشبابية.
شهدت محافظة ذي قار، بوصفها من المحافظات ذات البنية السكانية المتنوعة والتحديات الاجتماعية المعقدة، تحولات نوعية في المشهد الأمني خلال السنوات الأخيرة، حيث أُعيد تعريف الدور الاستخباري ليكون ليس فقط أداة لرصد التهديدات، بل قوة فاعلة في منعها وبنائها من داخل المجتمع. وقد كانت هذه التحولات ثمرة استراتيجية متكاملة وضعها العميد عبد الرحمن الجابري فور تسلمه قيادة مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المحافظة، مستندًا إلى فهم عميق لطبيعة المخاطر وتكوين البيئة الاجتماعية المحلية.
اعتمد العميد الجابري على مقاربة أمنية ترتكز على إعادة تشكيل علاقة المديرية بالمجتمع، بما يسمح ببناء منظومة معلومات واسعة تتغذى من نبض الناس واحتكاكهم اليومي بالتحديات. لم تكن هذه الاستراتيجية معنية فقط بجمع المعلومات الاستخباراتية، بل بسؤال أعمق: كيف يمكن تحويل المجتمع إلى شريك في إنتاج الأمن؟ وقد تبلورت هذه الرؤية من خلال سلسلة إجراءات ميدانية وتنظيمية اعتمدت على الانفتاح على العشائر والفعاليات المجتمعية، وتوظيف هذا الانفتاح لبناء منظومة ثقة متبادلة، تجعل المواطن جزءًا من عملية الاستقرار لا متلقيًا لها فقط.
لقد أبدى العميد الجابري حنكة استخباراتية عالية تمثلت في إحداث توازن دقيق بين الصرامة في إدارة الملفات الأمنية والمرونة في إدارة العلاقات المجتمعية. ففي أكثر من مؤتمر ولقاء جماهيري داخل المحافظة، وجه رسائل مباشرة إلى المواطنين والعشائر، مؤكدًا أن مسؤولية الأمن لم تعد حكرًا على الأجهزة الرسمية، بل هي مسؤولية تضامنية تتطلب الوعي واليقظة والتفاعل من الجميع. وقد مثّل هذا الخطاب نقلة نوعية في توجيه الرأي العام نحو الشراكة الأمنية، وأسهم في تقويض كثير من الحواجز النفسية التي لطالما كانت تفصل بين المجتمع والجهاز الاستخباري.
في هذا الإطار تمكنت المديرية، بقيادة العميد الجابري، من بناء شبكة علاقات مجتمعية عميقة، استُخدمت كأداة استخبارية مرنة وفعالة، لا تُعنى فقط بجمع المعلومات، بل بفهم السياق الاجتماعي الذي تُنتج فيه التهديدات. وقد انعكس هذا التحول على أداء المديرية في التصدي لملفين بالغَي الخطورة هما ملف الحركات المنحرفة، وملف المخدرات. ففي الملف الأول عملت المديرية على تفكيك البنية التنظيمية والفكرية لهذه الحركات، عبر جمع وتحليل معلومات دقيقة عن نشأتها، ومصادر تمويلها، وآليات تجنيدها للشباب، بالتوازي مع تنفيذ عمليات نوعية استباقية أسهمت في تقليص تأثيرها في المجتمع.
أما في ملف المخدرات، فقد طوّرت المديرية خطة استخباراتية متعددة المستويات، تقوم على استهداف شبكات التهريب وليس فقط المروجين الصغار، ومتابعة مسارات التمويل، وتقديم معلومات دقيقة إلى الجهات القضائية لتفكيك البنية التحتية لهذه الظاهرة، التي تمثل اليوم أحد أكبر التهديدات للأمن المجتمعي. وقد أثمرت هذه الاستراتيجية في الحد من انتشار المواد المخدرة وتفكيك العديد من الشبكات المحلية، ما انعكس على استقرار الشارع وتراجع نسب الجريمة المرتبطة بهذا الملف.
إن استراتيجية العميد الجابري لم تتوقف عند حدود العمل التنفيذي أو الضربات الأمنية، بل امتدت إلى بناء منظومة تحليل استخباري تساعد في فهم أعمق للمجتمع ومكامن التهديد فيه، وتُمكّن المديرية من وضع خطط مبنية على قراءة واقعية للمتغيرات المحلية. وقد شكّل هذا التحول قفزة نوعية في أداء المديرية، إذ أصبحت اليوم تمثل الظهير الحقيقي للجهد الأمني في المحافظة، ومصدر القرار الأول في توجيه الاستجابة السريعة لمصادر التهديد.
وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى إرساء ركائز الاستقرار المجتمعي الذي تعيشه ذي قار، وساهمت في تعميق شعور المواطن بأنه ليس فقط جزءًا من النسيج الاجتماعي، بل عنصر فاعل في منظومة الأمن المجتمعي. وتتضاعف أهمية هذه التجربة بالنظر إلى أن محافظة ذي قار تمثل المفصل الرئيسي في منظومة الأمن القومي العراقي، نظرًا لموقعها الجغرافي ومكانتها الرمزية والديمغرافية. ومن هذا المنطلق حدد الجابري رؤيته الاستراتيجية في هندسة المجتمع الاستخباراتي بشكل يضمن الاندماج مع المجتمع المحلي، ويعيد تعريف العلاقة بين المواطن والجهاز الأمني. وهي تجربة نوعية ينبغي أن تُوثّق وتُدمج ضمن دليل الأمن الوطني، لتكون أساسًا في تحديث وتطوير المجتمع الاستخباراتي في عموم المحافظات العراقية.
ختامًا، تمثل تجربة العميد عبد الرحمن الجابري في ذي قار تحولًا نوعيًا في مفهوم الاستخبارات، حيث نجح في دمج الجهاز الأمني بالمجتمع، وتحويله إلى أداة فاعلة لفهم التهديدات ومعالجتها من داخل البيئة الاجتماعية. هذه التجربة الميدانية أثبتت أن الانفتاح المجتمعي وبناء الثقة يمثلان ركيزة أساسية للأمن، ويستحق أن تُعمم وتمد بها بقية المحافظات لتحديث منظومة الأمن الوطني.
صور مرفقة