يوماً ما ستصل إلى مرحلة متقدمة من النضوج والوعي الذاتي، وستصل إلى شواطئ جديدة بعد إبحار طويل وسيأخذ الكلام بعداً جديداً والمعنى سيصبح عميقاً وستعلم يقيناً بأنك كنت تخوض معارك هامشية.
وعندما تصل لعتبة النضج تلك، عندها فقط ستستطيع التخلي عن أي شيء يستبيح مشاعرك، ويستنزف طاقتك، ويهدد وجودك، مهما كان هذا الشيء ثميناً أو نفيساً أو ربما استوطن حيزاً مهماً في حياتك، لأنك نضجت ونضُجَت معك القدرة على مواجهة نقاط ضعفك التي هي بالحقيقة نقاط تميز وقوة وبركان عطاء إذا رأيتها بطريقة مختلفة.
ستصل إلى مرحلة لا تبالي بمن يحاربك، فلا وقت عندك لتشتيت عقلك وتركيزك وإجهاد روحك الرائعة. حينها ستعرف الفرق بين المنافسة والتناحر لأن المنافسة الحقة - الجميع يربح - هي التي ترفع قدرك وقدر منافسيك والتناحر لا يعود على المتناحرين بخير.
أكرم نفسك بالابتعاد عن صغار العقول، ولا تقف عند النوايا واعمل على ترسيخ سلامك الداخلي وابتعد عن الحقد والحسد.
وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) - الفرقان
وما دمت ترتجي علو شأن الحق، فاقبله من أي شخص مهما اختلفت معه، وهذا هو شأن الأقوياء ودأب الناجحين، إذ لم تعد تكترث للأشخاص بقدر اكتراثك للقيم.
في عالم النضج ستحلق في فضاء نقاء النفس وصفاء الروح وستبني عالمك على أساس فهمك ونضجك لا على كلام الناس ورأي الآخرين بك، ومؤكد بأنك ستبنيه بقوة وعمق إحساسك لأنك تحررت من كل القيود التي كانت تمنعك.
يقول جبران: "ما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه من أن ينشد أغنية مع القلوب الفرحة."
ولكي تصل إلى هذه المرحلة ستدفع الكثير طوعاً أو كراهية، فلن يصل إليها الا من يستحقها ليجلس على قمة هرمه الذاتي ويقول ها أنذا قد وصلت.
فقد آن الوقت لاستراحة المحارب.