منذ فجر التاريخ، كانت الأنهار هي شرايين الحضارة، هي التي حملت الحياة لأعظم الإمبراطوريات، من وادي النيل إلى دجلة والفرات كان الماء دائمًا رمزًا للبداية الجديدة، للتطهر من الأدران، للعودة إلى النقاء.
في عالم السياسة، كما في الفلسفة، هناك كيانات يكفي حضورها ليُعيد الأمور إلى نصابها، كيانات بحجم الأصول الثابتة، لا تتغير مكانتها بتقلب الظروف ولا تتبدل أقدارها بتغير الأزمان. ومصر، بتاريخها العميق وجغرافيتها الفريدة، هي واحدة من تلك الأصول التي يكفي حضورها ليبطل كل بديل، ليحسم كل شك، وليفتح أبواب الأمل على مصاريعها.
مصر والعراق ليستا مجرد دولتين، بل حضارتان قديمتان، زينتا صفحات الإنسانية بالعلم والفن والفلسفة.
مصر الفرعونية التي صاغت مفاهيم الخلود، والعراق السومري الذي كتب أول حروف البشرية، كلاهما كانا ولا يزالان رمزين للوجود الإنساني ذاته. وحين تلتقي بغداد بالقاهرة، تلتقي الأنهار وتتلاقى الأرواح، تُعيد الأرض ذاكرتها، وتستعيد الشعوب مصيرها المشترك.
تاريخيًا، لم تكن مصر يومًا بعيدة عن العراق، فكلاهما قلاع حضارية ضاربة في جذور التاريخ، من أهرامات الجيزة إلى بوابات بابل، ومن نهر النيل إلى دجلة والفرات.
وعندما يتعانق نيل مصر مع شط العرب، تنبعث الحياة من جديد، ويعود الضوء ليملأ الأفق.
في حضرة الكبار، تختفي الظلال، وتتراجع البدائل، لأن الأصل يكفي ليعيد للأشياء معناها، وللأرواح يقينها. وكما يُغني الماء عن التيمم، فإن حضور مصر في أي محفل يعوض غياب الاخرون، ويُعيد للقاء وزنه، وللكلمات عمقها، وللمواقف قوتها.
يكفينا حضور مصر، فهي الكلمة التي تُغني عن كل شرح، والحضور الذي يُعيد للأمة روحها.
يكفينا حضور مصر، فهي البداية والنهاية، هي أصل الحكاية ونبض التاريخ.
يكفينا حضور مصر، فحضورها ينسينا غياب البقية، فهي الأصل الذي يُبطل كل تيمم، والنور الذي يبدد كل غياب.
حفظ الله مصر، وشعب مصر ، وجيش مصر، حفظ الله أرض الكنانة ومهد الحضارات، عزيزة قوية شامخة.
شكراً مصر …