4
مارس
2019
نبيه مصطفى بري… القائد الذي عجزت معاجم السياسة عن دراسة مقوماته............................................
نشر منذ Mar 04 19 pm31 08:40 PM - عدد المشاهدات : 915

عجيب أمر هذا القائد…

عجيب تاريخه، والأعجب حاضره، والأكثر عجباً طريقة إدارته للعمل السياسي…

كيف لا وهو وريث موسى الصدر الذي قاد ثورة الأمل، وحمل إرث الأنبياء والأولياء والأوصياء والصالحين … والشهداء…

استطاع قيادة المقاومة في أحلك الظروف وأصعبها، وتابع عمله المقاوم بحماية ظهرها سياسياً في وقت اجتمع العالم ضدها. جمع التناقضات الداخلية في كفه، فقرأ الأصدقاء وترجم لغة الخصوم مُؤلفاً كتاب الوحدة الوطنية في بلد مليء بالمطبّات الطائفية والتناقضات السياسية، فكان مايسترو العمل السياسي دون منازع.

أجمعت قيادة المقاومة على تكليفه ناطقاً باسمها ومفاوضاً عنها في مختلف المحافل وعلى كافة المستويات، فكان دائماً مفاوضاً شرساً لا يكلّ ولا يملّ ولا يتنازل. كما لجأ إليه خصوم المقاومة يشكونها فكان دائماً دبلوماسياً بارعاً ومفاوضاً سلساً، لم يستطع خصومه بل وحتى أعدائه تجاهله أو إيجاد بديل يشكونه، بحيث استطاع القائد المقاوم ورئيس مجلس النواب المُخضرم صنع التوازنات في بلد يكاد لولاه أن يُطلق على نفسه رصاصة الرحمة عند كلّ استحقاق.

مشروعان لا ينفصلان أرادهما دولة الرئيس، مشروع المقاومة القوية الراسخة، ومشروع السياسة الجامعة والدبلوماسية الفذّة، جمعهما في مشروع ثلاثي الأبعاد “الشعب والجيش والمقاومة” وكانت أداة تنفيذ هذا المشروع الوحدة الوطنية التي نادى بها سماحة الإمام المُغيب السيد موسى الصدر، والتي كانت بحسب قول الإمام أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل، في حين أصبحت اليوم أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل وغيرها من المشاريع المشبوهة في منطقة تشتعل بالحروب والأزمات.

أمّا إقليمياً، فقد حمل بري هموم الأمة، حذّر مراراً من المخططات الصهيونية للمنطقة، وفنّد مشروع الشرق الأوسط الكبير، ودعى إلى الوعي العربي إبان ما سُمي بثورات الربيع العربي والتدخلات الخارجية في الدول العربية والأهداف الكامنة ورائها. فكان دائماً السبّاق في قراءة المستقبل والتحذير من حقول الألغام المُهيّأة للمنطقة. حمل همّ العراق، وسوريا، دائم التفكير في مصر وباقي الدول العربية، أمّا شغله الشاغل الذي لم يغب عن أجندته السياسية رغم انشغالاته الكثيرة بعد تكاثر الأزمات فكانت قضية فلسطين، القضية الأولى والأساس في أجندة بري.

وكما داخلياً وإقليميّاً، كذلك استطاع بري دوليّاً بجرأته المعهودة الحفاظ على عدائه الدائم لإسرائيل، والمجاهرة بموقفه في المحافل الإقليمية والدولية ومن على منابرهما، والحفاظ على علاقاته الدولية المميّزة والممتازة مع رؤساء مختلف دول العالم والزعماء العرب الذين يخالفونه هذا العداء، بل استطاع انتزاع الإدانة لهذا الكيان الغاصب لفلسطين في العديد من البيانات الختامية لمعظم المؤتمرات العربية والدولية رغم التطبيع الحاصل والعلاقات القائمة بين الكيان الصهيوني وبين الدول الغربية وبعض الدول العربية.

هو نبيه مصطفى بري الذي لا يهدأ، فمن قيادة حركة أمل انطلق لرئاسة مجلس النواب اللبناني، ومن تجربته البرلمانية المحليّة انطلق لاستلام العديد من المسؤوليات التي لا يستطيع غيره قيادتها وإدارة ملفاتها بمثل حكمته ودهائه. فكان خير أستاذ لمؤتمر البرلمانيين العرب والمؤتمر الإسلامي … واليوم انتُخب بري أميناً لسر المؤتمر ال 29 للاتحاد البرلماني العربي، والذي أعاد التذكير خلاله كما عادته على أهمية المقاومة مؤكداً صدارتها للانتصار لقضايا الأمة بقوله ” المقاومة أولاً، والمقاومة أولاً، والمقاومة أحد عشر كوكباً”.

لكلام بري دلالات كثيرة، لم يتأخر كعادته في الرد على من يحاول إضاعة البوصلة، فبعد أن نطق نتنياهو منذ أسبوعين بلسان العرب، وبعد أن خضع معظم المسؤولون العرب لإسرائيل، وبعد أن رسم الأخير الاستراتيجيات وحدد الأولويّات وأرشد الدبلوماسيين العرب بأن فلسطين أصبحت نسياً منسيا، وأن العدو المشترك هي إيران، وأنه شريكاً أساسياً للعرب في مواجهة هذا العدو. ولكي لا يُعيد التاريخ نفسه، ولكي لا تصبح قضية فلسطين قضايا متعددة تُشبهها، ولكي نحافظ على ما تبقى لنا من كرامات بعد أن خضع من خضع وتنازل من تنازل عن الكرامات، أتى كلام بري مُدوّيّاً كالرعد، وعلى مسمع ومرأى من جالس نتنياهو في وارسو منذ أسبوعين، بأن قرار الأمة هو المقاومة أولاً وأولاً حتى ينقطع النفس، وحتى ذرف آخر نقطة دم شريفة فيها.

هي دعوة واضحة وصريحة لمن قام بتغيير طريقه، بأنّ هذه الطريق التي يسلكها البعض ستزيد التبعية والإنحلال والخنوع، وهو ما لن يقبل به شعب المقاومة وشعوب الأمة جمعاء الذي يُراهن عليها بري.

فلسان حال الغرب وبعض العرب بعد كل مؤتمر… عجيب أمر هذا الرجل، لا يترك لنا باباً ولا طريقاً ولا حتى زاوية، لا تخفى عليه خافية، ولا نستطيع تمرير أي مشروع بحضوره، فما السبيل لخرق هذا الجدار الحصين؟؟؟

نعم، لقد أثبت نبيه بري حضوره على الساحة اللبنانية والإقليمية والدولية، واستطاع حماية الداخل وتحريك الخارج خدمة للقضيّة التي آمن بها، كما استطاع ترويض أعداء المقاومة بفرض شخصيته السياسية القوية وعناده المقاوم. لقد أثبت نبيه بري أنّه رجل بحجم أُمّة، وأنّه اللاعب الوحيد الذي يُمسك بخيوط التناقضات لجمع الأمة، إنه الرجل الذي أصر أن يكون في طليعة المواجهين، وأن يكون دائماً بالمرصاد.

ماذا عسانا نقول عنك… عذراً دولة الرئيس فلقد احترنا كما غيرنا في قراءتك سياسياً، لأن عطاءاتك السياسية تسبق قراءاتنا لك بأشواط.

هنيئاً لنا بك، وهنيئاً لأمة أنت حاميها، إنك بحق رجل العصر، بل الرجل النادر لكل الأزمنة والعصور.

فعندما تُنجب الأمة قائداً يجمع بين جدوة المقاومة وتناقضات السياسة، ويستطيع مواجهة المطامع والمشاريع الدولية المشبوهة باعتراف خصومه وحتى أعدائه بحنكة غاب نظيرها، فالأمة بألف خير… ومعكم يبقى الأمل.

ولمن أضل الطريق نقول: “إبحث عن نبيه بري حتى تعود إليك كرامتك”…

بقلم علي حسن عبدو | باحث في العلاقات الدوليّة والدبلوماسيّة.

صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 1

أخبار
تابعنا على الفيس بوك